حين تتكاثر الجراح وتشتد المحن في غزة، نكون نحن الصوت الذي لا يصمت، واليد التي لا تتأخر، والرحمة التي تعبر الحصار

معلومات التواصل

فلسطين غزة +97 (056) - 613 - 6638 info@laaith.org

تساؤلات حول تعثر المساعدات الإنسانية ومستقبل القطاع المحاصر

في واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية قسوةً في العصر الحديث، تبرز غزة كنقطة سوداء على ضمير العالم، حيث يُترك أكثر من مليوني إنسان يواجهون الموت جوعًا وعطشًا تحت حصار خانق وعدوان مستمر.

ومع كل يوم يمر، تتعالى التساؤلات: لماذا تعثرت المساعدات الإنسانية؟ ولماذا يُترك القطاع بهذا الشكل المروّع؟ وما مستقبل غزة تحت هذا الواقع القاتم؟

ما هو مستقبل قطاع غزة في ظل استمرار تعثّر وصول المياه والغذاء والدواء؟

تنذر الحرب المفتوحة والحصار خانق على غزة، بكارثة طويلة الأمد، ليس فقط على صعيد المعاناة اليومية، بل على مستوى مستقبل القطاع بأسره، ومع استمرار تعثّر إيصال المياه والغذاء والدواء، يغيب أي حل جذري يلوح في الأفق.

العدوان المستمر والحصار الطويل دمّرا معظم مرافق الحياة في غزة، شبكات المياه ملوثة، ومحطات التحلية خارجة عن الخدمة، وندرة مياه الشرب باتت واقعًا يوميًا، وسط اعتمادٍ على كميات محدودة من الماء غير الصالح للاستخدام الآدمي.

المستشفيات عاجزة، والوقود الضروري لتشغيل المولدات نادر، ما يعني أن الرعاية الصحية تقترب من الانهيار الكامل، خصوصًا مع منع دخول الأدوية والأجهزة الطبية.

وعلى رغم وصول بعض المساعدات الإنسانية إلى غزة، إلا أن عرقلة مرورها، وتأخيرها عند المعابر، وتفتيشها المطوّل، يقلل من فاعليتها، ولا توجد ضمانات لعبور دائم، ولا آلية دولية فاعلة تضمن الممرات الإنسانية إلى غزة بشكل مستقر.

والنتيجة، أطفال يموتون من الجوع، ومرضى يفقدون حياتهم لأن شحنة دواء لم تصل في الوقت المناسب، وإذا استمرت هذه الظروف، فإن المجاعة في غزة ستتحول من خطر محتمل إلى واقع فعلي.

السيناريو الأخطر الذي يُلوّح في الأفق هو تعميم النزوح وتحويله إلى واقع دائم، ما قد يُمهّد لعملية تهجير جماعي غير معلنة، تُفرغ القطاع من سكانه تحت غطاء الأزمة الإنسانية.

ألا يستحق أطفال غزة حياة كريمة وآمنة كبقية أطفال العالم؟

أطفال غزة لا يعرفون من الطفولة سوى صوت القصف، ورائحة الدخان، وصورة الخيمة بدل البيت، وصفّ توزيع الخبز بدل المدرسة، هم لا يختلفون عن بقية أطفال العالم، لكن العالم يُعاملهم كاستثناء لا ينطبق عليه حق اللعب، ولا الأمن، ولا حتى الحياة.

بحسب اتفاقية حقوق الطفل، فإن لكل طفل الحق في الحماية، التعليم، الغذاء، والرعاية الصحية. لكن ماذا عن أطفال غزة؟، أغلبهم حُرم من التعليم بسبب تدمير المدارس، كثيرين فقدوا أحد والديهم أو كليهما، مئات الآلاف ينامون جوعى، يعانون من الصدمات ويعيشون في بيئة ممرضة.

تحت الحصار الإسرائيلي، يُمنع دخول الألعاب، الكتب، اللوازم المدرسية، وحتى الحليب والأدوية، ويخضع كل شيء إلى تفتيش المساعدات لغزة، وكأن حاجات الأطفال تُعد تهديدًا أمنيًا، ووسط هذه الممارسات، يُختطف من الطفل الغزّي حقه في أن يكون طفلًا.

رغم مناشدات الأمم المتحدة لغزة، والتقارير الحقوقية التي تحذّر من انهيار حياة الطفولة في القطاع، إلا أن الصمت لا يزال سيّد الموقف، لا توجد خطوات جادة لحمايتهم، ولا آلية دولية فاعلة تضمن وصول المساعدات، أو توفير بيئة آمنة.

متى ستتوقف غزة عن كونها أكبر سجن مفتوح في العالم؟

منذ أكثر من 15 عامًا، يُقال إن قطاع غزة هو “أكبر سجن مفتوح في العالم”. ومع مرور الوقت، لم يعد هذا اللقب مجرد تعبير عن الواقع، بل أصبح وصمة عار تلاحق المجتمع الدولي الذي يتفرّج على كارثة إنسانية تتفاقم يومًا بعد يوم.

يعاني أكثر من مليوني شخص في غزة من حصار خانق على جميع الأصعدة، فلا يمكن لأحد الخروج أو الدخول بسهولة عبر معبر رفح أو أي معبر آخر، وهو ما يضع غزة في حالة عزل جغرافي، سياسي، وإنساني غير مسبوقة.

التنقل بين الأماكن أصبح محكومًا بالتصاريح الأمنية، ومئات الآلاف من سكان غزة لا يستطيعون السفر لتلقي العلاج، الدراسة، أو حتى زيارة العائلات، كل هذا يجعل غزة تفتقر إلى الحد الأدنى من حرية التنقل، التي يتمتع بها أي إنسان في أي مكان آخر في العالم.

وعلى الرغم من المناشدات الدولية، لا تزال المساعدات الإنسانية إلى غزة تصل بعد تأخيرات طويلة، وتخضع لتفتيش مشدّد، مما يقلّل من فعّاليتها فغالبًا ما تكون محكومة بشروط سياسية وعرقلة وصولها من قِبل السلطات الإسرائيلية، مما يُضاعف من معاناة السكان.

تقتصر الاستجابة الدولية على التنديد والشجب، وتقديم مساعدات إنسانية قد تكون غير كافية، بينما يغيب أي تحرك حقيقي لرفع الحصار.

إن استمرار الوضع على ما هو عليه يعني أن غزة ستظل في هذا السجن المفتوح بلا أفق واضح، لكن إذا لم تتحرك القوى الدولية بشكل جاد لتغيير هذا الواقع، فإن الأجيال القادمة ستكبر في هذا الحصار، ويكون كل أملهم هو الخروج من هذا السجن، مثل جيلهم الذي قبله.

إلى متى سيظل المجتمع الدولي صامتًا أمام الكارثة الإنسانية المتفاقمة في غزة؟

السكوت لم يعد مجرّد تواطؤ، بل بات جريمة بحد ذاته، تُقصف المستشفيات، يُمنع دخول الطعام والماء، تُستهدف العائلات في منازلها، ومع ذلك، تكتفي الدول الكبرى ببيانات “القلق العميق” دون اتخاذ أي خطوة حقيقية لحماية المدنيين أو وقف الانتهاكات.

بات من الواضح أن العلاقات الدبلوماسية أهم من أرواح مئات آلاف الأطفال الذين يواجهون المجاعة والعطش والموت البطيء، وحتى حين تُطرح مبادرات إنسانية، تُواجَه بالفيتو، أو تُفرّغ من مضمونها تحت مسمى “الحياد”.

أين دور القانون الدولي وحقوق الإنسان في حماية سكان غزة من الحصار والتجويع؟

يُترك أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة يواجهون الحصار، التجويع، والعطش، في وقتٍ تتعالى فيه شعارات العدالة وحقوق الإنسان من على منابر الأمم المتحدة والعواصم الغربية، مشهدٌ يُعرّي العجز الأخلاقي والسياسي للمجتمع الدولي.

ينص القانون الدولي الإنساني، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة، على حماية المدنيين في أوقات الحرب، ويمنع بشكل صريح استخدام التجويع كأداة من أدوات القتال، كما تفرض هذه القوانين على الأطراف المتحاربة السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.

ومع ذلك، تُحاصر غزة منذ سنوات، ويُمنع عنها كل ما هو ضروري للحياة، في مشهد يُجسّد انتهاكًا صارخًا وممنهجًا لهذه القوانين، لكن الأخطر من ذلك أن هذا العقاب لا يُواجَه بأي محاسبة أو ردع، بل يُمرَّر بتجاهل دولي لا يمكن وصفه إلا بأنه تواطؤ أو عجز مقصود.

إن دور القانون الدولي لا ينبغي أن يقتصر على التوثيق والشجب، بل يجب أن يتحول إلى إجراءات حقيقية لرفع الحصار، وتأمين المساعدات، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، فغياب الردع يُشجع على تكرار الجرائم، ويُفقد الناس ثقتهم في العدالة وحقوق الإنسان.

ألا تستحق غزة حياة كريمة وآمنة؟، الإجابة الحقيقية ليست في الكلمات، بل في الأفعال، في فتح المعابر وإيصال المساعدات لغزة، في كسر الحصار، وإقرار العالم أخيرًا أن غزة لا يليق أن تُترك وحدها في هذا الجحيم.