العنف في غزة يترك جراحه الأعمق على أجساد الصغار
تعيش غزة تحت وطأة العنف المستمر الذي يترك آثارًا عميقة على أفرادها، وخاصة الأطفال، في حين اعتقادك أن الحروب والمعارك تقتصر على الأجساد الكبيرة، فإن الحقيقة هي أن الأطفال هم الأكثر تأثراً.
بينما تنحصر الأضواء على الأضرار الجسيمة التي تلحق بالبنية التحتية والأشخاص البالغين، يغفل الكثيرون عن الأثر الأعمق الذي يتركه العنف على أجساد الصغار وعقولهم، فلم يقتصر يومًا على جروحهم الجسدية فقط، بل يمتد إلى أرواحهم وعقولهم، ليشكل لديهم أفقًا مظلمًا من المعاناة والخوف يلاحقهم مدى الحياة.
تلك الجروح التي تغطي أجسادهم ليست إلا جزءًا صغيرًا من المأساة الأكبر التي يعيشها هؤلاء الصغار، حيث الصدمات نفسية المعاناة المستمرة التي تتجسد صورة قاسية لجيل جديد يعيش تحت وطأة العنف والدمار.
مفهوم العنف ضد أطفال غزة
العنف في غزة ضد الأطفال، هو مجموعة من الأفعال القاسية التي تُمارس على أجساد الصغار سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، وتترك آثارًا جسدية ونفسية عميقة غالبًا لا يمحوها الوقت مهما طال.
العنف في غزة، مزيجًا من العنف الجسدي والنفسي الذي يتعرض له الأطفال بسبب جراح الحرب الإسرائيلية، يشمل هذا العنف القصف والقتل والإصابات الجسدية، فضلًا عن الآثار النفسية التي يعاني منها الأطفال جراء مشاهدة مجازر القتل والدمار، وفقدان أفراد أسرهم أو تهجيرهم القسري.
أشكال العنف ضد أطفال غزة
يبرز العنف بصورة واضحة وجلية على الجسد، لكنه يأبى أن يتوقف عند هذا الحد بل يتعدى مراحل من الآلام النفسية والضغوط الاجتماعية والحرمان المادية ليتجلى كوحشٍ يفتت الطفل ويجعله رمادًا دون شخصية في الحياة، ومن أبرز أشكال العنف:
العنف الجسدي
يتعرض العديد من الأطفال في غزة للإصابات الجسدية بسبب القصف الجوي والمدفعي والهجمات البرية، يسبّب جروحًا وكسورًا وفقدان للأطراف، مما يؤدي إلى إعاقات دائمة في بعض الحالات.
الأطفال الذين يتعرضون لهذه الإصابات يواجهون تحديات صحية كبيرة تؤثر على نوعية حياتهم، وكيفية ممارسة احتياجاتهم اليومية، وتبقيهم في صراعٍ مع متطلباتٍ أبت جراحات الحرب إلا أن تزرعها كقنبلة في طريق الطفل الفلسطيني.
الأثر النفسي للأطفال
يعيش الأطفال في غزة تحت ضغط نفسي شديد نتيجة للمعاناة والحروب التي لا تتوقف، حيث مشاهد العنف والموت، القتل والإبادة.
الأثر النفسي للأطفال قد يشمل اضطرابات ما بعد الصدمة، الاكتئاب، والكوابيس، ولا يقتصر العنف النفسي على ما يرونه، بل يشمل أيضًا الخوف المستمر من القصف والقتل، وفقدان الأمن الشخصي والاجتماعي الذي يزرعه الاحتلال في نفوسهم.
العنف الاجتماعي
يتعرض الأطفال في غزة إلى ما يعرف بالعنف الاجتماعي من تهميش وحرمان من حقوقهم الأساسية بسبب الأوضاع المعيشية المتدهورة في غزة، والحرمان من التعليم والرعاية الصحية أو صعوبة في الحصول على حقوقهم كافة، ما يؤثر على نموهم الفكري والعقلي.
نتيجة انشغال الأسرة بتوفير الطعام والشراب والحصول على المال، يظهر مفهوم التهميش، فيشعر الطفل بالدونية وكأنه غير مرئي، أو ليس مهمًا.
العنف الاقتصادي
الحرب المستمرة في غزة أدت إلى تدمير البنية التحتية والاقتصاد المحلي، ما ينعكس سلبًا على حياة الأطفال، من فقدان الأبوين لوظائفهم إلى نقص الغذاء والموارد الأساسية، مما يجعلهم عواقب اقتصادية مباشرة تؤثر على مستوى حياتهم.
وقد يضطر الطفل إلى العمل الشاق والتسرب المدرسي والقضاء على أحلامه الوردية التي يرسمها الطفل في طفولته وشعوره المبكر بالمسؤولية عن عائلة أو أسرة فقدت أحد أركانها من أب وأم.
العواقب المترتبة على العنف ضد الأطفال
نتيجةً لتنوع صور العنف في غزة، تتشكّل العواقب المترتبة للعنف على أجساد الصغار ونفسيتهم، ومن أكثر إشاعةً، إعاقة النمو الجسدي والنفسي، فقد تترك الإصابات الجسدية إعاقات دائمة، بينما تؤثر الصدمات النفسية على قدرتهم على التكيف الاجتماعي والنفسي مع الحياة اليومية.
وإنّ الأطفال الذين يعانون من العنف يواجهون صعوبة في التركيز والتعلم جرّاء الخوف من القصف أو الموت مما يؤثر في قدرتهم بالحصول على تعليم جيد، ومواجهة صعوبة في بناء علاقات صحية مع الآخرين بسبب مشاعر الوحدة والخوف والانعزال عن أقرانهم.
دور المجتمع الدولي في حماية حقوق الأطفال في غزة
آثار العنف على أطفال غزة لا تقتصر على الحاضر فقط، بل تستمر لفترة طويلة، وقد تمتد عبر الأجيال القادمة، فمن المهم أن تعمل المنظمات الإنسانية والمجتمع الدولي على توفير الدعم العاجل لحماية هؤلاء الأطفال وتخفيف معاناتهم، والدفاع عن حقوقهم، وذلك من خلال:
تقديم الرعاية الإنسانية والطبية
تعمل منظمات حقوق الأطفال مثل “اليونيسيف” و”الهيئة الدولية للإنقاذ” على تقديم الرعاية الطبية للأطفال الذين يتعرضون للإصابات نتيجة الحروب، وتوفير العلاج الطبي، بما في ذلك العلاج من الصدمات النفسية والإصابات الجسدية وإعطائهم الأدوية واللقاحات لضمان صحتهم.
وضمان وصول المساعدات الإنسانية من غذاء صحي وكسوة ومستلزمات صحية، وبثّ الأمل للأطفال أن المؤسسات لم تنسكم.
الدفاع عن حقوق الأطفال على الصعيد الدولي
تضغط مؤسسات حقوق الطفل الدولية على الحكومات والمنظمات الدولية لوقف الانتهاكات ضد الأطفال في غزة، من خلال حملات المناصرة، ورفع الصوت لمطالبة المجتمع الدولي بتطبيق القوانين والاتفاقيات التي تحمي الأطفال من العنف، مثل “اتفاقية حقوق الطفل” التي تعتبر المرجعية الدولية في هذا الشأن.
تقديم الدعم النفسي الاجتماعي
تلعب مؤسسات حقوق الطفل والإغاثة العاجلة دورًا أساسيًا في توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهؤلاء الأطفال من خلال برامج إعادة التأهيل النفسي التي تساعدهم في التعامل مع الآثار النفسية الناتجة عن العنف، تشمل العلاج النفسي الفردي والجماعي، وأنشطة دعم نفسي ترفيهية مثل الرسم والموسيقى..
مناصرة القضايا القانونية
تعزّز مؤسسات حقوق الأطفال تطبيق القوانين التي تحمي حقوقهم في الحروب، من خلال توثيق الانتهاكات، والضغط على الدول الأطراف في اتفاقيات حقوق الإنسان لتوفير آليات قانونية تحاسب على أي انتهاك لحقوق الأطفال.
تقدم مؤسسات حقوق الطفل خدمات قانونية لحماية الأطفال في غزة من الانتهاكات وضمان محاكمة عادلة للأطفال الذين قد يُعتقلون في ظل ظروف الحرب وتوفر خدمات التوعية حول حقوقهم وكيفية الحصول على الحماية القانونية.
إن العنف في غزة يترك جراحًا عميقة على أجساد الأطفال، ولكنه لا يقتصر على الآلام الجسدية فقط، فالعواقب النفسية لهذه المعاناة يمكن أن تكون أكثر فتكًا، مما يهدد مستقبل الأجيال القادمة.
إن العالم يجب أن يتَّحد لحماية أطفال غزة، لأنهم هم من سيحملون الأمل في غد أفضل، وإذا ما استمرت معاناتهم، فإنها ستظل تشكل عقبة أمام بناء مستقبل ينعم بالسلام والاستقرار، فهل ستنتصر لمستقبل غزة وأطفالها؟