في غزة، المدينة التي اعتادت أن تختزل الفرح في أضيق مساحاته، تحوّلت ضحكات الأطفال في المنتزهات
إلى همسات نازحين يبحثون عن ظل خيمة.
من أماكن صُمّمت للبهجة، إلى ملاجئ يلوذ بها من فقدوا كل شيء، تروي منتزهات غزة اليوم قصص
إنسانية قاسية، تختلط فيها رائحة العشب الجاف بأنين النازحين وصراخ الأطفال الجوعى في قلب هذه
الفوضى، لا وقت للراحة، ولا مكان للخصوصية، فقط صراع يومي من أجل البقاء، وسط مشهد سريالي لم
تتخيله غزة حتى في أكثر كوابيسها ظلمة.
المنتزهات في غزة: كيف تحولت من ساحات ترفيهية إلى ملاجئ للنازحين
حتى وقت قريب، كانت منتزهات غزة مثل منتزه الشيخ زايد ومنتزه البلدية تعج بالحياة كانت وجهة للأسر،
ومتنفسًا للأطفال والشباب لكن ومع تصاعد وتيرة الحرب، تحولت هذه المنتزهات إلى مراكز إيواء للنازحين
بعد أن امتلأت المدارس والمباني الحكومية بالكامل.
لم تُجهّز هذه المساحات لأن تكون مأوى، لكنها صارت الخيار الوحيد اليوم، بين كل شجرة وخلف كل
أرجوحة خيمة، وكل خيمة تحمل قصة فقد، من بيت تهدم، أو أسرة فقدت أحد أفرادها نازحو غزة لم يختاروا
القدوم إلى هنا، بل فُرض عليهم الواقع المرير.
الأسباب التي دفعت النازحين إلى اللجوء إلى المنتزهات كمراكز إيواء
مع تصاعد وتيرة الحرب والعنف وتدمير أحياء كاملة، فاق عدد نازحي غزة قدرة مراكز الإيواء في غزة على الاستيعاب
المدارس اكتظت، وبعضها استُهدف، والمساجد سويت بالارض ولم يتبقَ سوى الساحات العامة والمنتزهات رغم غياب المرافق العامة، أصبحت الملجأ الوحيد.
تواجد المنتزهات في مناطق أقل استهدافًا جعلها أكثر أمانًا نسبيًا، ما شجّع الناس على التوجه إليها بعضهم
جاء سيرًا على الأقدام من شمال غزة، البعض الآخر دون أن يحمل معه شيئًا سوى أطفاله لم يكن هناك وقت
لاختيار، فقط النجاة.
التحديات التي تواجه النازحين داخل المنتزهات في غزة
ما تعيشه الأسر داخل المنتزهات لا يمكن وصفه سوى بأنه صراع يومي من أجل البقاء الأرض هي الفراش،
والسماء هو الغطاء والخيمة إن وجدت فهي لا تقي من البرد أو الشمس المياه شحيحة، والمراحيض تكاد
تكون معدومة، والاحتياجات الإنسانية للنازحين في تزايد مستمر.
الأطفال يفتقرون لأبسط مقومات النظافة، والنساء لا يجدن الخصوصية أو الأمان حياة النازحين في غزة
داخل هذه المنتزهات مؤلمة، حيث ينامون ويأكلون ويغتسلون في العراء، وسط تكدّس الخيام وانعدام المرافق
الصحية.
ورغم تواجد بعض المنظمات الإنسانية، إلا أن المساعدات لا تغطي حتى الحد الأدنى من الحاجات الاسياسية
الغذاء غير كافٍ، والدواء نادر، والأهم من كل ذلك، لا أفق واضح لنهاية هذه المعاناة.
الحياة في هذه مراكز الإيواء في غزة تحتاج إلى تدخل عاجل الاحتياجات الإنسانية للنازحين تتنوع بين
المأوى والماء والغذاء والدواء كما أن هناك حاجة ملحة للدعم النفسي، خاصة للأطفال الذين فقدوا
الإحساس بالأمان، وكبار السن الذين يعيشون بلا علاج.
المنظمات غير قادرة على تلبية كل الطلبات بسبب القيود المفروضة على دخول المساعدات، وتزايد عدد
نازحي غزة يومًا بعد يوم الوضع يتدهور، والخوف الأكبر هو من انتشار الأمراض، خاصة في فصل الصيف،
وسط هذه البيئة المزدحمة.
شمال غزة شهد القصف الأشد، مما جعل سكانه من أول وأكثر النازحين العائلات نزحت بشكل جماعي إلى
المنتزهات، بعد أن فقدت الأمل في العثور على مراكز إيواء في غزة التقليدية لا طعام، لا ماء، لا كهرباء، ولا
حتى أوراق ثبوتية في كثير من الحالات.
منتزهات غزة الواقعة شمال المدينة، باتت مزدحمة لدرجة لم يعد هناك مكان لخيمة إضافية. الخيام تُبنى من
أي شيء: أغطية، خشب مكسور، أو حتى لافتات بلاستيكية. الناس ينامون على التراب، وآلاف العيون معلّقة
بسماء لم تعد تبشّر إلا بالمزيد من الدخان.
تحوّلت منتزهات غزة من رموز للحياة والفرح إلى انعكاس مباشر للكارثة. في كل زاوية حكاية، وفي كل
خيمة قصة وجع. لكن وسط هذا الخراب، تظل هناك مقاومة صامتة من قبل الناس، محاولة للبقاء، وإرادة
لخلق حياة حتى في أقسى الظروف.
نازحو غزة، رغم الجوع والتعب، لا يفقدون الأمل وهذا الأمل وحده ما يبقيهم واقفين وسط عالم انهارت فيه
كل المقومات المنتزهات التي كانت أماكن لقاء واحتفال، أصبحت الآن ساحة للصبر، وربما للمستقبل.
ورغم كل هذا الألم، لا تزال غزة تقاوم تقاوم في وجوه أطفالها الذين لا يعرفون سوى الألم، وفي عيون
أمهات يبحثن عن الأمل وسط بحر من المآسي منتزهات غزة، التي كانت يومًا ملاذًا للفرح، لا تزال تشهد
قصصًا من القوة والصبر، حيث تتحوّل
لحظات العجز إلى شعلة أمل في قلوب النازحين الوقت الذي يتقاسم فيه الجميع خيمة ولقمة، يبقى الأمل هو
ما يجعلهم يواصلون السير، رغم كل الصعاب فكل خيمة تحكي قصة، وكل طفل يحمل في قلبه حلمًا بحياة
أفضل.
غزة لن تنكسر، مهما تغيرت الظروف منتزهات غزة، التي أصبحت اليوم مأوى للنازحين، ستظل شاهدة على
قدرة الإنسان على النهوض، حتى في أحلك الأوقات وكل يوم يمر هو خطوة جديدة نحو الغد، نحو السلام،
نحو العودة.