لماذا يختلف واقع أطفال غزة عن باقي أطفال العالم؟
في الوقت الذي يستيقظ فيه أطفال العالم على ألحان الطفولة، وألوان دفاتر المدرسة، وألعاب الحدائق، يستيقظ طفل غزة على صوت طائرات الاستطلاع، وانقطاع الكهرباء، وحرمانٍ يمتد من لقمة الخبز إلى الدواء، ومن اللعب إلى الأمان.
واقع أطفال غزة يختلف، لا لأنه اختيارهم، بل لأنهم وُلدوا في بقعة من الأرض تحاصرها الأزمات وتجلدها الحروب.
يعيش أكثر من نصف سكان قطاع غزة تحت سن الثامنة عشرة، وهي النسبة الأعلى بين سكان القطاع، لكن الطفولة هناك ليست كما يجب أن تكون، فهي تُختصر في طابور انتظار أمام شاحنة مياه، أو في محاولة حلّ واجب مدرسي تحت ضوء شمعة، أو في نظرات خائفة من نافذة مهجّرة.
أطفال غزة معاناة يومية لا تشبه طفولة العالم
حين يُذكر الأطفال في أي مكان من العالم، تقفز إلى الأذهان صور البراءة والضحكات واللعب، لكن في غزة، يختلف المشهد تمامًا، هناك، الطفولة لا تُقاس بعدد الألعاب، بل بعدد الغارات التي نجا منها الطفل، لا تُرسم بالطباشير على الأرصفة، بل تُحفر في الملاجئ وتحت ركام المنازل.
في غزة، يبدأ اليوم مبكرًا بصوت مولد الكهرباء أو قصف فجائي، وينتهي غالبًا على ضوء شمعة أو في عتمة الانقطاع الطويل للتيار.
أطفال العالم يذهبون إلى مدارسهم بحقائب ملونة، بينما أطفال غزة يذهبون بحقائب تحمل قصصًا من البقاء والخوف، وفي كثير من الأحيان، لا يذهبون أصلًا.
الحصار المفروض منذ أكثر من عقد ونصف، جعل من أبسط حقوق الأطفال – كالحصول على الدواء، أو حتى على كوب حليب دافئ – حلمًا صعب المنال.
أما الرعاية النفسية، فهي رفاهية لا تُذكر، رغم أن معظم أطفال غزة عايشوا ثلاث حروب على الأقل خلال سنوات طفولتهم، وشهدوا مشاهد لا يجب أن يراها إنسان، فكيف بطفل؟
وعلى الرغم من كل هذه المآسي، يبقى في وجوههم ما يُدهشك، ابتساماتهم عنيدة، وضحكاتهم نادرة ولكنها صادقة، وكأنهم يواجهون كل هذه القسوة بعنادٍ فطريٍّ مغلّف بالأمل.
الطفل في غزة لا يعيش مرحلة الطفولة كما يجب، بل يُجبر على النضج المبكر، يتقن فهم الأخبار السياسية أكثر من أسماء شخصيات الرسوم المتحركة، ويعرف صوت الطائرات الحربية قبل أن يتعلم نغمة الحروف.
ورغم كل ذلك، لا زال أطفال غزة يكتبون رسائلهم إلى العالم، يلوّحون من نوافذ البيوت المهدّمة، ينادون بحقهم في الحياة، في الأمان، في الطفولة.
إنها ليست قصة معاناة فقط، بل قصة كفاح طويل من أجل أبسط ما يملكه طفل في أي مكان آخر أن يعيش طفولته كما يجب.
تعرف على أسباب معاناة أطفال غزة مقارنة بأطفال العالم
بينما ينعم ملايين الأطفال حول العالم بالاستقرار، والتعليم الجيد، والرعاية الصحية، تُحاصر براءة أطفال غزة بجدران من الألم والقيد والخطر المستمر، فما الأسباب الحقيقية التي تجعل طفولة غزة بهذه القسوة والاختلاف؟
منذ أكثر من 17 عامًا، يخضع قطاع غزة لحصار خانق أثر على جميع مناحي الحياة، بما فيها الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء والصحة والتعليم، هذا الحصار يعني أن طفل غزة يذهب إلى المدرسة دون كهرباء، يُصاب بالمرض ولا يجد دواء، ويعيش بلا أفق مفتوح للمستقبل.
وشهد أطفال غزة أكثر من أربع حروب كبرى خلال العقدين الأخيرين، كانت كفيلة بترك جراح نفسية عميقة، فالكثير منهم فقدوا آباءهم أو أصدقاءهم، وعاشوا لحظات رعب لا يمكن نسيانها.
هذه الحروب دمّرت المدارس، والمنازل، وحتى مراكز اللعب والترفيه، لتجعل من حياة الطفل حالة طوارئ دائمة.
معدلات الفقر المرتفعة في غزة، والتي تتجاوز 60%، جعلت آلاف الأسر غير قادرة على توفير أبسط الاحتياجات لأطفالها، بدلًا من التفكير في التعليم والتطوير، يفكر الطفل الغزي كيف يساعد أسرته أو كيف يحصل على وجبة واحدة في اليوم.
المؤسسات التعليمية والمرافق الصحية في غزة تعاني من نقص حاد في التمويل والمعدات، مما ينعكس سلبًا على جودة الخدمات المقدمة للأطفال، فالصفوف مكتظة، والمستشفيات محدودة الإمكانيات، وأي أزمة صحية – مثل تفشي الأمراض أو جائحة – تُفاقم المأساة.
الأمان النفسي أهم ما يحتاجه الطفل لينمو بشكل سليم، لكن في غزة، تعني صفارات الإنذار والطائرات الحربية وانفجارات الليل أن الطفل يعيش في حالة خوف مستمرة، تؤثر على سلوكه ونموه العقلي والنفسي.
أطفال غزة تحت الحصار لماذا تختلف حياتهم عن غيرهم؟
الحروب المتكررة والمستمرة تركت أثرًا لا يُمحى في وعي الأطفال، كثيرون منهم فقدوا أسرهم أو منازلهم أو مدارسهم، وشهدوا مشاهد قتل ودمار لا تليق بعيون الطفولة، هؤلاء لا يخافون من الظلام فقط، بل من صوت الطائرة، من ضوء قذيفة، ومن فكرة أن الموت قد يكون أقرب من الحياة.
وعلى صعيد التعليم، فإن المدارس في غزة، رغم جهود المعلمين، تعاني من الاكتظاظ، ونقص الإمكانيات، والتأثر المباشر بالحروب، بعض الأطفال توقفوا عن التعليم بسبب النزوح، أو الحاجة للعمل لمساعدة أسرهم.
أما على المستوى الصحي، فإن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية يجعل من أي مرض بسيط خطرًا حقيقيًا، هناك أطفال لا يستطيعون مغادرة غزة للعلاج، وهناك من ينتظرون التصاريح التي قد لا تأتي أبدًا.
ورغم هذا الواقع، يتمسك أطفال غزة بالأمل، يرسمون، ويغنون، ويحلمون، لا لأن الحياة سهلة، بل لأنهم اعتادوا مقاومة المستحيل.
إن ما يجعل حياة أطفال غزة مختلفة عن غيرهم هو أنهم يعيشون في حالة طوارئ دائمة، الطفولة عندهم ليست مرحلة براءة فحسب، بل تجربة صمود، إنهم لا يحتاجون للشفقة، بل للعدالة، للحماية، ولحقهم الطبيعي في العيش كأي طفل في هذا العالم.
الحروب المتكررة على القطاع – والتي لا تتجاوز الفواصل الزمنية بينها بضع سنوات – جعلت الطفل الغزي يعيش صدمات نفسية متكررة، تفوق في آثارها ما يتحمله الكبار. مشاهد الدمار، وفقدان الأحبة، والتهجير القسري، جميعها رسمت على وجوه الأطفال ملامح أكبر من أعمارهم.
أطفال العالم يحلمون بما يريدون أن يكونوا في المستقبل؛ طبيبًا، مهندسًا، أو حتى لاعب كرة قدم. أما طفل غزة، فغالبًا ما ينحصر حلمه في “أن يعيش حتى الغد”، أو أن يمر اليوم بسلام، أو أن تنجو مدرسته من قصف مفاجئ.
وفي ظل الحصار المستمر منذ أكثر من 17 عامًا، بات حصول الطفل في غزة على العلاج أو الغذاء أو حتى مقعد دراسي لائق حلمًا يتطلب ترتيبات استثنائية. تراجع البنية التحتية، وانهيار المنظومة الصحية، كلها عوامل ساهمت في مضاعفة معاناة الطفولة.
ما يميز أطفال غزة رغم كل هذا، هو قدرتهم على الصمود. تراهم يضحكون وسط الركام، يرسمون قلوبًا على جدران مهدمة، وينشدون للحياة رغم الموت المحيط. إنها الطفولة التي أُجبرت على النضج مبكرًا، لكنها لم تفقد روحها.
أطفال غزة ليسوا أرقامًا في تقارير حقوق الإنسان، بل وجوه حقيقية تنتظر أن تعيش كما يعيش أقرانهم في العالم، بأمان وعدل وفرص متساوية. واقعهم يختلف، لأنه ببساطة: العدل لم يصل بعد.
