حين تتكاثر الجراح وتشتد المحن في غزة، نكون نحن الصوت الذي لا يصمت، واليد التي لا تتأخر، والرحمة التي تعبر الحصار

معلومات التواصل

فلسطين غزة +97 (056) - 613 - 6638 info@laaith.org

في غزة، حيث الحرب لا تهدأ والحصار لا يلين، أصبح البحر آخر ملاذ لأجساد أنهكها الجوع، وقلوب أرهقها الانتظار، لم يعُد اصطياد السلاحف البحرية رياضة أو حتى تقليدًا غريبًا، بل بات خيارًا قاسيًا للبقاء، ووجبة اضطرارية في مواجهة المجاعة التي تُطبق على المدنيين من كل اتجاه.

بين أنقاض البيوت المدمرة وخيام النزوح، لم يجد كثيرون في غزة ما يسدّ رمقهم سوى ما يطفو على شاطئ البحر، السلاحف، تلك الكائنات البحرية المهددة عالميًا، تحولت فجأة إلى طعام فقراء محاصرين، يواجهون المجاعة بأسنانهم الفارغة وكرامتهم المثقلة بالجوع.

غزة بلا غذاء: مجاعة تتسلل من بين الركام

في وقت تغيب فيه المواد الغذائية عن الأسواق، وتنعدم الإمدادات من المعابر، تتسلل المجاعة شيئًا فشيئًا، حتى باتت وجوه الجوعى هي العناوين الأكثر قسوة في هذا العدوان الطويل.

لم تعُد معاناة الجوع محصورة على فئة محددة من الناس، بل أصبحت واقعًا عامًا، يطال العائلات النازحة، والمرضى، والنساء، وحتى الأطفال الرضّع.

فالخبز أصبح عملة نادرة، والماء النظيف ترفًا مفقودًا، أما الخضروات والبقوليات فاختفت من البيوت مع اختفاء الحياة الطبيعية، الغارات لم تدمّر فقط المنازل، بل قطعت سبل العيش وأغلقت الأسواق والمخابز، لتترك الناس بلا طعام ولا أمل.

مع اختفاء المواد الغذائية الأساسية، لجأ بعض السكان إلى البحر، تحول الشاطئ من مكان للتنفس إلى ساحة صيد اضطراري، حيث بدأ البعض باصطياد السلاحف البحرية واستهلاكها كغذاء.

وهو تصرف يعكس شدة الأزمة، لكنه يهدد أيضًا النظام البيئي الهش، ويكشف عمق الانهيار الغذائي في غزة، لم يعد هناك وقت للحديث عن حماية الحياة البرية، فالناس في سباق مع الجوع لا مع الأخلاق.

المشاهد الميدانية تكشف عن حالات متزايدة من سوء التغذية بين الأطفال، تظهر في العيون الغائرة، والبشرة الشاحبة، والأجساد التي لا تنمو، التقارير الطبية تؤكد ارتفاع معدلات نقص الحديد والفيتامينات، وسط غياب تام لحليب الأطفال والأغذية الخاصة بالصغار.

لم تعد الحياة تدور حول الدراسة أو العمل أو المستقبل، باتت تُختصر في سؤال يومي: “من أين سنأكل اليوم؟”

تتكرر المحاولات الفاشلة للحصول على الطعام، ومعها يزداد الإحباط وينتشر الخوف من يومٍ قادم أسوأ، بات بعض الناس يعيشون على وجبة واحدة كل 48 ساعة، وأحيانًا أقل، ومع استمرار الحرب والحصار، لا أحد يعرف كيف ومتى ستنتهي هذه المجاعة الصامتة.

اصطياد السلاحف… خيار مؤلم للبقاء على قيد الحياة

اضطر كثير من العائلات إلى اللجوء إلى البحر بحثًا عن مصدر للبقاء. لم يكن اصطياد السلاحف البحرية تقليدًا غذائيًا معروفًا، بل قرارًا قاسيًا اتخذه أناس دفعهم الجوع إلى كسر كل المحرمات البيئية والأخلاقية.

على الشواطئ، يُشاهد الرجال وهم يطاردون سلاحف مهددة بالانقراض، فقط ليأخذوها إلى منازلهم كوجبة تنقذ أبناءهم من الجوع.

البعض يجهل حتى طريقة طهيها، والبعض الآخر يكسر صمته ويذرف الدموع وهو يذبح كائنًا لطالما شاهده في الكتب لا على موائد الطعام.

هذا التحوّل المؤلم من الحماية إلى الصيد، من الحياة إلى الاضطرار، يعكس عمق المأساة التي تعيشها غزة، حيث لم يعُد البقاء على قيد الحياة أمرًا بديهيًا، بل نتيجة لصراع يومي مع الجوع والمستحيل.

مخاطر صحية في طعام البحر غير المُراقب

في ظل الانقطاع الكامل للإمدادات الغذائية والرقابة الصحية في غزة، أصبح البحر مصدر الغذاء الوحيد لكثير من العائلات، لكنه يحمل في طياته مخاطر صحية جسيمة.

الأسماك والسلاحف البحرية التي تُصطاد عشوائيًا من المياه المحيطة، قد تكون ملوثة بالمعادن الثقيلة، أو ملوثة بمياه الصرف الصحي التي تصب في البحر نتيجة تدمير البنية التحتية.

عدم وجود وسائل تخزين آمنة أو رقابة صحية على هذا الطعام البحري يعرّض السكان لأمراض معوية، وحالات تسمم غذائي، قد تكون أكثر فتكًا في ظل غياب الأدوية والرعاية الطبية.

في سياق المجاعة، قد يبدو الطعام البحري ملاذًا، لكنه في كثير من الأحيان يتحول إلى خطر صامت، يهدد أجسادًا هشة بالكاد تقاوم الجوع.

هل يتدخل العالم قبل أن تنقرض الكرامة أيضًا؟

لم تعُد الكارثة في غزة مجرد مسألة أرقام أو مشاهد في نشرات الأخبار، بل قصة كرامة تُهان كل يوم أمام أعين العالم.

أطفال يبحثون عن بقايا طعام بين الأنقاض، وأمهات يطهون السلاحف على نار القهر، وشيوخ ينامون جوعى في خيام لا تقي من حرّ أو برد.

في كل لحظة صمت دولي، تُنتزع قطعة جديدة من إنسانية الناس هناك. السؤال لم يعُد: هل سيموت المزيد؟ بل: كم بقي من كرامة يمكن الحفاظ عليها قبل أن تنقرض كما تنقرض الحياة من البحر واليابسة؟

العالم مدعوّ لا ليشاهد، بل ليتحرك، قبل أن تُمحى مدينة كاملة من الخريطة، ليس فقط بالجوع، بل بالتجاهل.

ففي الوقت الذي تستغيث فيه غزة، تقف معظم المعابر مغلقة، وتبقى قوافل الإغاثة رهينة التصريحات والتجاذبات السياسية. المنظمات الإنسانية، وإن أصدرت بيانات قلق، لم تتمكن حتى الآن من إحداث تغيير ملموس على الأرض.

المساعدات التي تصل شحيحة، ولا تغطي الحد الأدنى من الاحتياجات، ما يضع سكان القطاع أمام مجاعة تزداد يومًا بعد آخر.

ويعيش سكان القطاع اليوم تحت واحدة من أقسى أشكال الحصار في العصر الحديث، حيث تغلق سلطات الاحتلال المعابر كافة، وتمنع دخول المواد الغذائية، والمياه، والوقود، وحتى المساعدات الإنسانية، في سياسة وصفها ناشطون بأنها “تجويع ممنهج” يهدف إلى كسر صمود السكان ودفعهم إلى النزوح جنوبًا، بل وحتى خارج القطاع.

وتحولت المجاعة إلى واقع يومي تعيشه آلاف العائلات الذين يقيمون في خيام بالشوارع، وفي المخيمات، وعلى شواطئ البحر، فالجميع يبحث عن أي مصدر للغذاء، فمع نفاد المواد الأساسية، باتت السلاحف البحرية في بعض الأحيان هي الوجبة الوحيدة المتاحة.

وفي ظل هذا الوضع الكارثي، يوجه سكان غزة نداء استغاثة عاجلًا إلى المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، لضرورة التدخل الفوري والضغط على الاحتلال لفتح المعابر وإدخال المواد الأساسية.