حين تتكاثر الجراح وتشتد المحن في غزة، نكون نحن الصوت الذي لا يصمت، واليد التي لا تتأخر، والرحمة التي تعبر الحصار

معلومات التواصل

فلسطين غزة +97 (056) - 613 - 6638 info@laaith.org

الإبادة في غزة – كيف أخفق العالم بين الصمت والتواطؤ؟

 

منذ عقود طويلة، يعاني الشعب الفلسطيني في غزة من الحروب المتكررة والحصار الخانق، ولكن ما شهدته غزة في السنوات الأخيرة من تصعيد يعد أبشع مراحل معاناته.

القصف العنيف، والهجمات على المدنيين، والقتل الجماعي للأطفال والنساء، لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة جماعية تحدث أمام أعين العالم، ورغم وضوح هذه الجرائم، يتعامل المجتمع الدولي مع القضية الفلسطينية وكأنها شأنًا بعيدًا عن اهتمامه.

كيف يعقل أن يتواصل الصمت الدولي أمام هذا الوحشية؟ هل وصل الأمر إلى درجة التواطؤ في استمرار الإبادة؟

لماذا لم يتحرك العالم أمام مأساة غزة؟

واحدة من أكبر أسباب الصمت العالمي هي ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع القضايا الإنسانية، ما يُعد “جريمة حرب” في مكان ما، يُبرَّر ويُتغاضى عنه عندما يحدث ضد الفلسطينيين.

هذا التمييز يعكس نفوذ الدول الكبرى في صياغة الخطاب العالمي، وتحديد من يستحق التضامن ومن يُترك للنسيان الدول الكبرى، التي ترفع شعارات حقوق الإنسان والعدالة، كثيرًا ما تنتقي القضايا التي تناسب مصالحها، وتتجاهل تلك التي لا تحقق لها مكاسب سياسية أو اقتصادية.

في الوقت الذي تتسارع فيه ردود الفعل الدولية تجاه أزمات في مناطق أخرى، يبدو التعامل مع مأساة غزة باهتًا، بل أحيانًا داعمًا للطرف المعتدي بحجة “حق الدفاع عن النفس”، دون النظر في الجرائم المرتكبة بحق المدنيين.

رغم أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن يمثلان رمزية للعدالة العالمية، إلا أن حق النقض (الفيتو) الذي تمتلكه دول معينة مثل الولايات المتحدة غالبًا ما يُستخدم لتعطيل أي قرار يدين العدوان على غزة أو يدعو لحماية السكان المدنيين.

وبهذا تصبح القوانين الدولية مجرد حبر على ورق، عاجزة عن فرض العدالة حين تصطدم بالمصالح الجيوسياسية للدول العظمى.

الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام العالمي، لكن في حالة غزة، هناك تضييق على التغطية المستقلة، وحظر للصحفيين، وحجب للرواية الفلسطينية.

المنصات الغربية الكبرى تتبنى غالبًا الرواية الرسمية الإسرائيلية، ما يؤدي إلى تشويه الصورة وتقليل التعاطف الدولي، حتى صور الضحايا لا تُنقل إلا بعد تأخير أو تشكيك، مما يُفقد الأزمة بُعدها الإنساني.

عامل آخر لا يمكن تجاهله هو تغير موقف العديد من الدول العربية، التي ركزت في السنوات الأخيرة على مصالح اقتصادية وسياسية داخلية أو على تحالفات جديدة، بعضها شمل تطبيعًا مع إسرائيل.

هذا التغير أدى إلى فتور في الدعم الرسمي للفلسطينيين، رغم استمرار التضامن الشعبي الكبير.

الأثر الاجتماعي والنفسي للحرب في غزة: معاناة بلا نهاية

الحرب ليست فقط قصفًا ودمارًا، بل هي سلسلة من التصدعات العميقة التي تضرب بنية المجتمع ووجدان أفراده، وفي غزة، حيث تُعاد المأساة جيلاً بعد جيل، لم تترك الحرب حجرًا على حجر، ولا قلبًا بلا ألم.
إنها ليست مجرد معركة عسكرية، بل كارثة إنسانية شاملة، تمتد آثارها النفسية والاجتماعية لعقود، أكثر من نصف سكان غزة من الأطفال، وهؤلاء كانوا في الصفوف الأولى للمعاناة
الطفل في غزة لا يعرف ما تعنيه الطفولة كما يعرفها أقرانه في العالم.

يعيش على أصوات الطائرات والانفجارات، يرى جثث أحبائه، وينام في خوف دائم، يعاني كثير من الأطفال من اضطرابات نفسية مثل التبول اللاإرادي، القلق، الكوابيس المتكررة، ونوبات الغضب

تقارير أممية تؤكد أن نسبة كبيرة من أطفال غزة يعانون من أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، انقطاع التعليم، وفقدان الأسرة أو المنزل، يجعل من إعادة تأهيلهم تحديًا بالغ الصعوبة.

المرأة الغزية لا تعيش فقط فقدان الزوج أو الابن، بل تضطر لتحمل مسؤوليات اجتماعية واقتصادية جديدة.
ومع فقدان المعيل، وانهيار البنية التحتية، تتحمل النساء عبء النجاة اليومي، في ظروف قاسية، تتزايد معدلات الاكتئاب والقلق بين النساء، خاصة الأرامل، وتكثر حالات العنف الأـسري نتيجة التوتر والفقر والضغوط النفسية.

الحروب المتكررة أضعفت الروابط الاجتماعية، وأحدثت شرخًا في العلاقات المجتمعية، فالبيوت التي كانت تحوي عائلات ممتدة، باتت اليوم مجرد أنقاض، والمهجّرون يعيشون في مدارس أو خيام فاقدين للاستقرار والأمان.

تغيرت أنماط العلاقات الاجتماعية، وزادت معدلات الطلاق والانفصال، المجتمعات الصغيرة التي كانت مترابطة تفككت بفعل النزوح والدمار والخوف المستمر، وفُقدت الثقة في المؤسسات وبات الشك متبادلًا وسمة عامة لدى كثير من السكان.

إن عدم تحرك العالم أمام مأساة غزة ليس ناتجًا عن الجهل أو العجز، بل هو نتيجة مزيج من المصالح، والنفاق السياسي، والتقصير الأخلاقي، ما يجري في غزة امتحان حقيقي لإنسانية العالم، ووصمة عار ستظل تلاحق من اختاروا الصمت، أو برروا القتل الجماعي، تحت أي ذريعة.