حين تتكاثر الجراح وتشتد المحن في غزة، نكون نحن الصوت الذي لا يصمت، واليد التي لا تتأخر، والرحمة التي تعبر الحصار

معلومات التواصل

فلسطين غزة +97 (056) - 613 - 6638 info@laaith.org

في ظل الحصار الإسرائيلي المتواصل، والحرب الوحشية، تدخل مستشفيات قطاع غزة مرحلة حرجة تهدد بانهيار كامل للمنظومة الصحية، مع قرب نفاد الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية التي تعتمد عليها المنشآت الطبية في ظل الانقطاع الكامل للكهرباء.

بين جدران المستشفيات التي يغمرها الظلام في غزة، يصارع الأطباء الزمن لإنقاذ الأرواح وسط عجز حاد في الوقود والمعدات، في أقسام العناية المركزة، تصرخ الأجهزة طلبًا للطاقة، وتكاد أنفاس المرضى تنقطع مع كل دقيقة تأخير.

انقطاع الكهرباء يشلّ مرافق الرعاية الصحية

مع توقف التيار الكهربائي عن غزة بشكل كامل، باتت المستشفيات تعتمد فقط على المولدات الكهربائية لتشغيل أجهزتها، ومع استمرار منع دخول الوقود، اضطرت العديد من المنشآت الطبية إلى تقليص خدماتها أو إغلاق أقسام حيوية.

وتوقفت العمليات الجراحية غير الطارئة في العديد من المستشفيات، بينما تُجرى الحالات الحرجة في ظروف بدائية، وعلى ضوء الهواتف المحمولة أحيانًا.

تقول مصادر في مجمع ناصر الطبي إن بعض الأجهزة توقفت فعليًا عن العمل، فيما لم يبقَ سوى ساعات من الوقود لتشغيل باقي الأقسام، الأكثر تضررًا هم مرضى غسيل الكلى، وحديثو الولادة، ومرضى الحالات الحرجة الذين يعتمدون على أجهزة دعم الحياة.

يعمل الأطباء والممرضون في ظروف شديدة القسوة، ويمضون ساعات طويلة دون راحة في محاولة لإنقاذ الأرواح، ومع نقص المستلزمات الطبية وغياب الكهرباء، أصبحت الأخطاء واردة، والمعاناة اليومية مضاعفة.

وزارة الصحة في غزة ومنظمات إنسانية دولية، منها “أطباء بلا حدود”، وجّهت نداءات عاجلة للمجتمع الدولي تطالب بتأمين ممر إنساني فوري يسمح بدخول الوقود والمعدات الطبية، ورغم التحذيرات المتكررة، لا تزال الاستجابة الدولية محدودة، بينما يتسارع الانهيار داخل المرافق الصحية.

الوضع الحالي ينذر بكارثة أكبر، خاصة مع اقتراب مستشفيات مثل “الشفاء” و”الأوروبي” و”العودة” من التوقف الكامل عن العمل.

تحت القصف، وفي الظلام، تحاول غزة أن تُبقي على الحياة رغم كل شيء، لكن دون كهرباء، ودواء، ووقود، فإن القدرة على الصمود تتآكل يومًا بعد يوم، بينما العالم يراقب بصمت انهيار واحدة من أكثر المناطق تضررًا إنسانيًا في القرن الحادي والعشرين.

أقسام العناية المركزة في خطر داهم

في ظل الانقطاع الكامل للتيار الكهربائي ونفاد الوقود في مستشفيات غزة، أصبحت أقسام العناية المركزة مهددة بالتوقف الكامل، ما يضع حياة عشرات المرضى في دائرة الخطر الفوري.

هذه الأقسام تعتمد على أجهزة دقيقة وحساسة لا يمكنها العمل دون تيار كهربائي مستقر، مثل أجهزة التنفس الصناعي، ومراقبة القلب، وضخ الأدوية الوريدية، وقد حذّر أطباء من أن أي توقف مفاجئ لهذه الأجهزة يعني فقدان مرضى خلال دقائق، خصوصًا الأطفال وحديثي الولادة وكبار السن.

في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، أكبر مستشفيات القطاع، يعمل الطاقم الطبي في ظل توتر دائم، حيث يتم نقل المرضى الأكثر حاجة للأجهزة إلى أماكن بديلة أو تُجرى محاولات إنعاش يدوي لا تصمد طويلًا في غياب الطاقة.

نفاد الوقود يوقف العمليات الجراحية

اضطرت الإدارات الطبية إلى إيقاف كافة العمليات الجراحية غير الطارئة، وتأجيل الجراحات المقررة إلى أجل غير مسمى، فغرف العمليات، التي تعتمد بشكل كامل على الطاقة لتشغيل أجهزة التخدير، والشفط، والإضاءة، أصبحت شبه مشلولة.

وفي حالات استثنائية، تُجرى بعض العمليات الطارئة بإمكانات محدودة وفي بيئة غير آمنة طبيًا، ما يرفع من احتمالات المضاعفات والوفيات.

وتواصل الكوادر الطبية في قطاع غزة أداء مهامها وسط ظروف إنسانية بالغة الصعوبة، في ظل الحصار المتواصل، ونقص الإمدادات، وانعدام مقومات السلامة الشخصية.

إذ يعمل الأطباء والممرضون لساعات طويلة دون انقطاع، في بيئة تفتقر إلى التهوية، والإضاءة المناسبة، والمعدات الأساسية، ومع تزايد أعداد الجرحى وانهيار البنية التحتية الصحية، باتت الطواقم تواجه ضغوطًا نفسية وجسدية خانقة.

ضعف الإمكانات، ونقص الأدوية، وعدم وجود أجهزة تعقيم أو حماية، حول العمل الطبي إلى معركة يومية للبقاء، وسط واقع يفوق قدرة أي نظام صحي على التحمل.

ورغم هذه التحديات، لا تزال الطواقم تقف في خطوط المواجهة الأولى، في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح.

المرضى الأكثر تضررًا: الأطفال، كبار السن، ومرضى الكلى

يعد الأطفال وكبار السن ومرضى الكلى من الفئات الأكثر تضررًا، الأطفال، الذين يحتاجون إلى رعاية دقيقة في أقسام العناية المركزة أو وحدات حديثي الولادة، يعانون بشكل خاص من توقف الأجهزة الطبية بسبب نقص الوقود والكهرباء.

أما كبار السن، الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل أمراض القلب والسكري، فيجدون أنفسهم في خطر متزايد نتيجة نقص الأدوية الأساسية، بالإضافة إلى صعوبة تلقي العلاج الطبي المنتظم.

أما مرضى الكلى، الذين يعتمدون على جلسات غسيل الكلى بشكل دوري، فقد باتت مستشفيات غزة غير قادرة على تلبية احتياجاتهم بسبب نفاد الوقود اللازم لتشغيل أجهزة الغسيل.

هذا الوضع يزيد من معاناتهم ويهدد حياتهم بشكل مباشر، في وقت يعاني فيه النظام الصحي من انعدام الموارد الأساسية.

صمت دولي أمام كارثة إنسانية متصاعدة

رغم حجم الكارثة الإنسانية التي تشهدها غزة في ظل الحرب والحصار، لا يزال المجتمع الدولي في موقف متفرج، حيث لم تُبذل جهود حقيقية لإنقاذ الوضع الصحي المتدهور.

المستشفيات التي كانت تعتبر ملاذًا للجرحى والمرضى في سابق الأوقات، أصبحت الآن في حالة انهيار شبه كامل، بينما تستمر المناشدات الإنسانية التي تطالب بتوفير الوقود والمساعدات الطبية الأساسية.

صمت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية أمام هذا الوضع المأساوي يثير القلق، بينما تستمر الضغوطات على الطواقم الطبية التي تواجه خطرًا مزدوجًا: من جهة، نقص الموارد والوقود، ومن جهة أخرى، القصف المستمر الذي يهدد سلامة العاملين في المجال الصحي.

هذا الصمت يثير تساؤلات حول مدى فعالية التدخلات الإنسانية الدولية في مناطق النزاع، ويترك غزة في مواجهة كارثة صحية قد تعصف بالآلاف من الأرواح في حال استمرت هذه الظروف.