حين تتكاثر الجراح وتشتد المحن في غزة، نكون نحن الصوت الذي لا يصمت، واليد التي لا تتأخر، والرحمة التي تعبر الحصار

معلومات التواصل

فلسطين غزة +97 (056) - 613 - 6638 info@laaith.org
طفل فلسطيني يتأمل في الأفق وسط ركام الحرب والجوع في غزة، تعبيرًا عن فقدان الأمان والحلم بالتحرر.
في قطاع غزة المحاصر، حيث تتداخل أصوات القصف مع أنين الجوع، يطرح سؤال وجودي نفسه بإلحاح: هل يحرّر الجائع وطناً؟ تاريخ العمل الإغاثي في هذه البقعة المنكوبة يمتد لعقود، مسيرة طويلة بدأت كاستجابة إنسانية أولية لموجات النزوح والاحتلال، وتطورت لتشمل آليات دعم متنوعة، من المعونات الطارئة إلى المشاريع التنموية الطموحة، عملت المنظمات الدولية والمحلية جنبًا إلى جنب في وجه الحصار الخانق والأزمات المتلاحقة، محاولة توفير شريان حياة أساسي للسكان المحاصرين.

لا شك أن الإغاثة لعبت دورًا حيويًا في صمود الفلسطينيين في غزة، كانت خط الدفاع الأول في وجه شبح المجاعة والأمراض التي تلوح في الأفق باستمرار، لم يقتصر تأثيرها على توفير الغذاء والدواء، بل امتد ليشمل تعزيز الكرامة الإنسانية من خلال الدعم النفسي والاجتماعي في ظل الظروف القاسية، ومحاولة بناء القدرة على الصمود عبر مشاريع التنمية وتمكين المجتمعات المحلية.

لكن العلاقة بين الإغاثة والمقاومة في سياق غزة تبقى معقدة، ففي حين أن الإغاثة ضرورة إنسانية لا يمكن ربطها منطقيًا بالتخلي عن الحقوق، يبرز خطر الاعتمادية كأحد التحديات الرئيسية. كيف يمكن تحويل الدعم المؤقت إلى حلول مستدامة وتمكين ذاتي يحرر الفلسطينيين من الحاجة المستمرة للمساعدات؟ كما أن استغلال الاحتلال للإغاثة يمثل تحديًا آخر، حيث تُستخدم المساعدات أحيانًا كأداة تسييس أو محاولة لتقويض روح المقاومة.

في الإجابة على السؤال الأولي، من الواضح أن التحرير الشامل للوطن يتطلب قوة إرادة وصمود شعبي راسخ، مدعومًا بالعدل الدولي والضغط السياسي.


الإغاثة في أفضل صورها، يمكن أن تكون عاملًا مساعدًا في هذه العملية، حيث تساهم في تخفيف المعاناة وتعزيز قدرة السكان على المطالبة بحقوقهم الأساسية، الطريق نحو التحرير ربما يكمن في استراتيجية متكاملة تدمج العمل الإغاثي الفعال مع جهود التنمية المستدامة والمقاومة الشعبية الواعية، لتحويل الجوع واليأس إلى قوة دافعة نحو الحرية والكرامة.

 

جذور العمل الإغاثي في غزة

بدأت جذور العمل الإغاثي في غزة منذ نكبة عام 1948، عندما لجأ مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى القطاع بعد تهجيرهم من أراضيهم. ومع تزايد الأزمات، برز دور وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) لتقديم خدمات التعليم، الصحة، والإغاثة الطارئة، ومع الاجتياح الإسرائيلي عام 1967، ثم الحصار الذي فُرض بعد عام 2007، باتت غزة تعتمد بشكل متزايد على المساعدات الدولية.

بين الدعم والاعتمادية

رغم أهمية المساعدات الإغاثية في توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة، فإن اعتماد قطاع غزة على الإغاثة لفترات طويلة طرح أسئلة عن تداعيات هذا الواقع. هل تُسهم الإغاثة في تمكين السكان أم تُرسّخ واقع التبعية؟ وهل يظل الشعب قادرًا على النضال والمقاومة حين يكون شغله الشاغل تأمين وجبة الطعام القادمة؟

الإجابة معقدة. فمن جهة، وفرت الإغاثة طوق نجاة لملايين السكان، وساهمت في تخفيف آثار الكوارث المتتالية، لكنها من جهة أخرى، شكلت في بعض الأحيان أداةً للضبط الاجتماعي والسياسي، وأضعفت الاقتصاد المحلي القائم على الإنتاج، خاصة في ظل الحصار ومنع التصدير.

العمل الإغاثي والسيادة الوطنية

واحدة من الإشكاليات الرئيسية للعمل الإغاثي في غزة هي ارتباطه بأجندات المانحين وشروط التمويل. المساعدات لا تأتي دائمًا دون مقابل، وغالبًا ما تُفرض شروط سياسية أو قيود على توزيع المساعدات وفقًا لتوجهات سياسية. وهذا ما يطرح سؤالًا حول قدرة الشعب على التحرر وهو تحت وطأة مساعدات مشروطة.

كما أن غياب رؤية وطنية موحّدة لتوظيف المساعدات في مشاريع تنموية مستدامة جعل من الصعب تحويل هذه الإغاثة إلى أداة مقاومة حقيقية للاحتلال. وبدلاً من بناء اقتصاد مقاوم، استُخدمت المساعدات غالبًا في إطفاء حرائق الأزمات المتكررة.

ما بين الإغاثة والتحرر

التحرر لا يتحقق بالمساعدات وحدها، لكن لا يمكن تجاهل دور الإغاثة في الحفاظ على الحد الأدنى من مقومات الحياة التي تمكّن الناس من الصمود. ومع ذلك، فإن تحويل هذا الصمود إلى فعل تحرري يتطلب أكثر من كرتونة غذاء أو بطانية. يتطلب بنية اقتصادية متماسكة، تعليمًا وعيًا، ومؤسسات قادرة على إدارة الموارد بشكل مستقل.

في النهاية، لا يمكن للجائع أن يحرّر وطنًا إن لم يجد ما يسد رمقه، لكن الجوع وحده لا يصنع ثورة ولا يحقق حرية. فلا بد أن تكون الإغاثة مرحلة مؤقتة تُفضي إلى تنمية، وليس حالة دائمة تُفضي إلى الاستسلام.

خاتمة

إن السؤال “هل يحرر الجائع وطناً؟” هو تذكير صارخ بأن الكرامة الوطنية تبدأ بالكرامة الإنسانية. وعلى العمل الإغاثي أن يكون بوابة للتمكين لا أداة للاتكالية، وأن يترافق مع مشروع وطني تنموي مقاوم، يُخرج غزة من دائرة الإغاثة إلى أفق الحرية.

 

إترك تعليقا